في ندوة «التعليم والتطرف والإرهاب» بمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
وزراء تعليم: الإمارات قدمت نموذجاً رائداً في مكافحة الإرهاب بـ«تعليم يواكب العصر»
نظم «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيّة»، أمس ندوة تحت عنوان «التعليم والتطرف والإرهاب»، بحضور معالي الدكتور حسين بن إبراهيم الحمادي وزير التربية والتعليم، ومعالي الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني في جمهورية مصر العربية الشقيقة، ومعالي الدكتور ماجد بن علي النعيمي وزير التربية والتعليم رئيس مجلس التعليم العالي في مملكة البحرين الشقيقة، فضلاً عن لفيف من المثقفين والمهتمين بقضايا التربية والتعليم؛ وذلك في «قاعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان»، بمقر المركز في أبوظبي.
واستهلّت الندوة فعالياتها بكلمة ترحيبيّة لسعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أكد فيها أهمية الندوة كونها تلقي الضوء على موضوع حيوي وملحّ، تستدعي التطورات المتسارعة والتحديات المتفاقمة خلال السنوات الأخيرة في منطقتنا العربية خصوصاً، والعالم عموماً، تناولَه بكل تركيز وجدية وعمق بما يواكب الجهود العالمية لمحاربة التطرف والإرهاب، اللذين باتا يشكلان تهديداً عالمياً عابراً للحدود، وعلى نحو يرفد المنظومة التعليمية في دولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة بمخرجات من شأنها دعم جهود القطاع التعليمي لكي يكون جزءاً لا يتجزأ، بل مفصلاً محورياً، في التصدي للفكر المتطرف ودسائس قوى الشر والظلام التي لا تكف عن محاولاتها لاختراق المؤسسات التعليمية في المنطقة وبث سمومها في عقول وأفئدة أبنائنا وفلذات أكبادنا من النشء والشباب.
وأكد السويدي أن دولة الإمارات العربية المتحدة تنبهت هي وشقيقاتها من دول المنطقة الملتزمة مكافحة الإرهاب، إلى النتائج الكارثية التي تسببت بها سنوات ما عرف بـ«الربيع العربي» في العديد من دول المنطقة، وأدركت باكراً محاولات جماعات الفتن والضلال لاستغلال التعليم كمنصة تعبث من خلالها بمدارك أجيال الغد، حيث عمدت هذه الجماعات إلى تشويه تعاليم الدين أولاً، وغرس أفكارها المسمومة ثانياً، على نحو يستهدف جرّ أبنائنا وشبابنا إلى دوامات التطرف والعنف.
وأضاف السويدي أن الإمارات، انطلاقاً من وعيها بأن التعليم سلاح ذو حدين، فقد عملت على استخدام التعليم كمنارة لبث الوعي، وأداة فاعلة ومؤثرة لتحصين النشء والشباب من الأفكار الهدامة، وتعزيز انتمائهم وولائهم للوطن، وترسيخ اعتزازهم وفخرهم بهويتهم الوطنية؛ مشيراً إلى المبادرة الكريمة التي أطلقها ديوان صاحب السمو ولي عهد أبوظبي، بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لدعم العملية التعليمية بمادة «التربية الأخلاقية» في المناهج والمقررات الدراسية، التي كان لها دورها العظيم والمؤثر في دعم جهود تطوير المنظومة التعليمية والعمل بشكل مبكر ووقائي على حماية شبابنا من الانزلاق إلى براثن التطرف والإرهاب، وهو ما جاء على نحو أثرى الخبرة والتجربة الإماراتية في هذا المجال، وجعلها نموذجاً يحتذى به في المنطقة.
وعقب انتهاء الكلمة الترحيبية، ألقى معالي الدكتور حسين بن إبراهيم الحمادي الكلمة الرئيسية الأولى، حيث شكر في مستهلها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية على تنظيم هذه الندوة، ووجه الشكر الخاص إلى سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي مدير عام المركز على «جهوده الجبارة في معالجة هذا الملف الحيوي وإصداراته المهمة التي لقيت اهتماماً وتقديراً محلياً وإقليمياً ودولياً واسعاً»، وتحدث معالي الدكتور حسين بن إبراهيم الحمادي عن أهمية التعليم في تحقيق التنمية المستدامة ومحاربة التطرف والإرهاب، وقال إن من الثابت أن منظومة القيم الأخلاقية السائدة والأفكار التي تتضمنها منظومة التعليم في مجتمع ما، هي ما يحدد موقع هذا المجتمع في خريطة العالم، ولا يمكن الحديث عن تقدم قائم على أسس صلبة ومستدامة من دون تعليم عصري يجمع بين الجوانب المادية المتمثلة في العلوم والمعارف الحديثة، والجوانب القيمية المتمثلة في نوعية التعليم.
وأكد معاليه أن الإرهاب هو محصلة ونتاج للتطرف الفكري الذي يعدّ العدو الأول للإنسانية، وقال إنه لا بد من وجود معالجة شاملة لهذه الظاهرة تقوم أولاً على التنمية المستدامة، وثانياً على التربية والتعليم، مؤكداً أن التعليم لا بد أن يكون مبتكراً وإبداعياً.
وأشار إلى أن الإمارات كانت سباقة في التصدي للفكر الإرهابي من خلال التعليم والتنبيه إلى خطورة تسلل هذا الفكر إلى المنظومة التعليمية، ومن هنا جاءت المبادرة الرائدة لسيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بتدريس التربية الأخلاقية في المدارس، وهي المبادرة التي تهدف إلى غرس القيم الأخلاقية الإيجابية القائمة على التسامح والاعتدال والانفتاح والتعايش.
وأشار الحمادي إلى أهمية هذه الندوة التي تتناول دور التعليم في مواجهة الإرهاب، لأن الحرب ضد الإرهاب هي حرب فكرية في المقام الأول، وهذا يجعل التعليم ساحة رئيسة خصبة لقوى التطرف لخوض هذه الحرب، خاصة أن قوى التطرف والإرهاب عملت وما زالت تعمل على اختراق الحقل التعليمي والتسلل إليه بطرق مختلفة.
واستعرض خلال الندوة بعضاً من المشاهد الصادمة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أثارت جدلاً في أوساط الرأي العام العالمي وخاصة المهتمين بالشأن التربوي والتعليمي، حيث ظهر فيها طفل لا يتجاوز عمره الثلاث سنوات يمسك بسكين، ثم يقوم بحركة عصبيه طائشة بنحر دميته، متوعداً بالمزيد من النحر حتى يملأ الدمُ الأرض، ومثل هذه المشاهد المقززة لا تثير الرعب وحده، بقدر ما تطرح أيضاً من أسئلة عديدة حول ماهية هذا الإرهاب ونوعية هذا التطرف، ومصادرها الفكرية والدينية والسياسية والاقتصادية والتربوية، وأسباب اختلاف البنية العقلية والسيكولوجية لدى عناصره الملوثة أياديهم بالدم، ولأية عمليات غسل أدمغة يخضعون.
وقال معاليه: إن تاريخ البشرية شهد عند بعض منعطفاته هبوباً لرياح التطرف والإرهاب لأسباب سياسية وإيديولوجية عقائدية واقتصادية، ولم يخل مجتمع منها، ولكن مسار التاريخ الحديث في حقبته الأخيرة كشف لنا أن الإرهاب على خلفية دينية اشتد بعد 11 سبتمبر 2011، والهجوم الدموي على البرجين التوأمين في نيويورك.
مضيفاً الحمادي، وقبل هذا الحدث الذي أرعب العالم، كانت هناك الحرب الأفغانية، ونشوء تنظيم القاعدة، ثم الاحتلال الأميركي للعراق وانتقال «القاعدة» إليه، ومن رحم الحدثين الأفغاني والعراقي، خرج مارد الإرهاب من القمقم مع الظاهرة الداعشية و«خلافة» زعيمها أبو بكر البغدادي، موضحاً بأن الإرهاب بات واضحاً بكل أشكاله وتجلياته، هو محصلة ونتاج للتطرف الفكري الذي يعد العدو الأول للإنسانية، وللغو العقائدي والنظرة الأحادية التي تدفع الشباب بشكل خاص إلى التخندق في كهوف التعصب وكراهية الآخر، والتخلف ثقافياً، ودينياً، وحضارياً.
وأوضح معاليه أن الإرهاب ينتقل بين الدول والقارات في مواسم متجددة، من نيس الفرنسية إلى ضفاف التايمز البريطاني، وصولاً إلى فنلندا البعيدة جداً، وحتى برشلونة التي حط فيها مؤخراً، ولا شك أن التجليات واحدة، لكن الأسباب التي تقف وراء الإرهاب متعددة، وترتبط بجملة عوامل، منها الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والسياسية، وهي متجددة أو قائمة في المجتمعات التي يسودها البؤس ويستشري فيها الجهل، وتتغذى من الفساد.
وأكد معالي حسين الحمادي: إننا بحاجة في مثل هذه الحالة إلى إزالة مصادر الفكر الضار بالوطن والمجتمع، إذ أصبح في غاية الأهمية فرز الكوادر التي تحمل هذا الفكر وكشفها وتحييدها ومحاسبتها في ما اقترفته بحق الوطن أو ما تخطط لاقترافه مستقبلاً، لأن ما يشكله الإرهاب تحدياً أمنياً وفكرياً وسياسياً في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم بأسره، وهو ما يستدعي تضافر جهود مختلف المؤسسات المجتمعية ومنها الجامعات باعتبارها مؤسسات، ومنارات فكرية يمكن أن تلعب دوراً بارزاً في مواجهة الإرهاب والتطرف، ونشر قيم التسامح والتوافق والتواصل البناء من خلال مناهجها ومؤتمراتها، وبناء الطالب فكرياً وتحصينه ضد الإرهاب من خلال صياغة خطاب تعليمي تربوي يهدف إلى بناء الشخصية المتكاملة، وتعزيز قيم المواطنة والهوية الوطنية والحضارية.
واختتم معاليه: إن التعليم بدولة الإمارات يسعى إلى تأصيل المواطنة والمواطنة العالمية، وهو أيضاً يعمل من أجل تنمية الوعي بالحقوق والواجبات والمسؤوليات، وزيادة جرعة المعارف التي تعلم البيئة المحلية والمجتمع المحلي وعلاقتهما بالمجتمع الإنساني. بالإضافة إلى تشجيع الحس بالانتماء إلى المجتمع العالمي، وتطوير معارف المتعلمين ومهاراتهم وقيمهم ومواقفهم بهدف المشاركة في تطوير مجتمعنا بسلام واستدامة.
المجلس القومي لمواجهة الإرهاب
ثم تحدث معالي الدكتور طارق شوقي، في الكلمة الرئيسة الثانية عن جهود الحكومة المصرية في سبيل الرقي بالمنظومة التربوية بوجه عام، حيث وضعت مؤخراً رؤية متعددة الأبعاد تشترك فيها جميع مؤسساتها ذات الصلة؛ لتجفيف منابع الإرهاب والتطرف بجميع أشكاله المادية والفكرية، مشيراً إلى قرار فخامة رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، القاضي بإنشاء «المجلس القومي لمواجهة الإرهاب والتطرف».
وأكد معاليه ضرورة أن تتعاون مؤسسات مجتمعاتنا العربية كافة؛ لنشر معاني الرحمة وقبول الآخر ومحاربة جميع أشكال التعصب والتحزب، وتحدث عن أبرز ملامح النظام التعليمي البديل الذي تعكف عليه وزارة التربية والتعليم، الذي سيبدأ في شهر سبتمبر 2018، ويستهدف إيصال الشباب إلى مستويات عالمية، بدءاً بتدريب النشء على فهم الآخر والعمل على المزج بين الهوية المصرية والانفتاح على الآخر.
وقال معاليه: إن كافة الأديان السماوية ترفض كل أشكال العنف والتطرف، وسفك الدماء ولقد أجمعت كافة الشرائع السماوية على جملة كبيرة من القيم والمبادئ الإنسانية من أهمها حفظ النفس البشرية، ومن القيم التي اتفقت عليها أيضاً كافة الشرائع السماوية: العدل، والتسامح، ونبذ العنف، وقبول الآخر، والرفق والصدق والأمانة والوفاء والتعاون وعدم الغدر أو الخيانة، ومقابلة السيئة بالحسنة، وحب الوطن، والاعتزاز به والحفاظ عليه.
وأضاف د. شوقي: إن الإرهاب أحمق الخطى لا يفرق بين أبناء الوطن الواحد، فلم يفرق بين مسلم أو مسيحي، وبين مسجد أو كنيسة، بل حصد أرواحاً بريئة، ونفوساً حالمة بمستقبل مشرق، فطالت يده أحباءنا وذوينا فأدمت قلوبنا جميعاً، وآلمت الوطن.
مختتماً قوله: على الرغم من كل ذلك فإنني على ثقة من أن مستقبل وطننا العربي يحمل غداً مشرقاً برياح النجاح والأمل، وأنه سيتجاوز كل العقبات.
الإمارات أرض الخير والمحبة
وفي الكلمة الرئيسة الثالثة، وجّه معالي الدكتور ماجد بن علي النعيمي، الشكر إلى سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي وإلى «أرض الإمارات أرض الخير والمحبة، بلد زايد الخير» وقال: «لكم من شعب البحرين الوفي كل معاني الشكر والحب والاحترام»، ثم استعرض تجربة مملكة البحرين في مواجهة الإرهاب عبر التعليم، حيث تحدث عن أربعة محاور رئيسة تتمثل في: لمحة عن مسيرة التعليم في مملكة البحرين، والاعتداءات الإرهابية على التعليم منذ أحداث عام 2011، وتجربة التربية على المواطنة وحقوق الإنسان في مواجهة الاعتداءات الإرهابية، ثم استعرض أخيراً مشروع المدرسة المعززة للمواطنة وحقوق الإنسان.
ثم عرض معاليه مشاهد من الاعتداءات الإرهابية التي تعرض لها قطاع التعليم منذ عام 2011، التي استهدفت الإنجازات التي حققتها البحرين في هذا المجال؛ واستعرض الجهود التي قامت بها الدولة والمجتمع لمعالجة هذه الظاهرة، وأشار إلى أهمية المناهج وأنه تم إجراء تطويرات كمية ونوعية فيها؛ بما يعزز تنمية التفكير العلمي ويغرس قيم العمل والتنوع والاختلاف وحقوق الإنسان ونبذ العنف والتطرف بكل أشكاله، وقد أكد النجاحات التي حققتها المملكة في هذا المجال ونالت إشادات من منظمات دولية متعددة.
وبيّن النعيمي، أن التعليم لم يكن بعيداً عن هذه الساحة ومن تلك الأعمال التخريبية، بل كان هدفاً أساسياً للوصول لأهدافهم الهدامة ولإفكارهم الظلامية المعتمة.
واستشهد النعيمي من خلال الندوة ببعض من الدراسات التي أجرتها صحيفة «الاتحاد» حول موضوع الإرهاب مستشفاً منها أهم المواضيع التي تلامس الفكرة، والمنطقة وما تمر بها من أوضاع راهنة، مستلهماً من تلك الدراسات أفكارٍا ذات رؤية صائبة لدحر قوى الظلام، والأفكار الضبابية المشوشة، مؤكداً بأن صحيفة الاتحاد لها قراؤها ومصداقيّتها، ونحن نكن لها كل الاحترام والتقدير، مشيراً إلى أن مملكة البحرين استطاعت الوقوف من خلال المتطوعين الذين لبوا نداء الوطن، وقاموا أيضاً بواجبهم الوطني بإتمام مسيرة التعليم، وإكمال مسيرة 180 يوما دراسية، وبهذا الدعم الوطني ودعم الأشقاء استطعنا تجاوز هذه المرحلة، والتغلب على الأزمة بنجاح ولله الحمد، ولكن تبقى تجربة المملكة تجربة مهمة وملهمة في الوقت نفسة.
محور دور التعليم في مواجهة الأفكار الهدَّامة :
تناولت فعاليات الندوة (التعليم والتطرف والإرهاب) محورين مهمَّين: الأول بعنوان «أهمية التعليم في مكافحة التطرف والإرهاب»، وناقش الدور الذي يلعبه التعليم في بناء أجيال تملك فكراً منفتحاً وعقولاً واعية قادرة على مواجهة الأفكار الهدَّامة التي تبثها جماعات التطرف والإرهاب.
وتحدث في هذا المحور مقصود كروز المدير التنفيذي لمركز هداية الدولي للتميز في مكافحة التطرف العنيف، دولة الإمارات العربية المتحدة، وأكد أن مكافحة التطرف تتطلب نشر ثقافة «التفكير الإيجابي» وتعزيزها، وممارسة قيم «التسامح» و«التعددية»، وتعزيز مبدأ «الوسطية» وقيم «الاعتدال»، وتعزيز دور المرأة في الأسرة والمجتمع، وتعزيز دور التنشئة الأسرية والرعاية الأبوية.
أما الدكتور عمار علي حسن، كاتب وخبير في علم الاجتماع السياسي، جمهورية مصر العربية، فقد أشار إلى أن التعليم لا يكفي وحده لهزيمة الإرهاب، بل لا بد أيضاً من زيادة «الجرعة الدينية» في منظومة التعليم، وضرورة إدراك أن التعليم لا ينفصل عن الثقافة؛ وتحدث عن ضرورة مراجعة ليس المناهج فقط، بل طرق التدريس أيضاً.
وطالب المشاركان في الجلسة بربط المدرسة بالمجتمع وتفعيل دورها في حمايته، وبإعادة النظر في المناهج الدراسية والأساليب التربوية بعقلية مفتوحة، تنطلق من دراسات معمقة للتغيرات التي يمر بها المجتمع والمستجدات العصرية، وبروح تأخذ مصلحة البلاد والأمن فوق كل اعتبار.
وأكدا على ضرورة فهم ظاهرة التطرف والعنف فهماً دقيقاً وعميقاً لبلورة استراتيجية ومشروع متكامل، يستهدف إنهاء هذه الظاهرة من جذورها، ذلك أن العنف كظاهرة فردية أو مجتمعية، هو تعبير عن خلل ما في سياق صانعها.
وأشارا إلى أن جهود الوقاية يجب أن تقوم بها مؤسسات المجتمع المختلفة، ومنها المؤسسات التربوية، بحيث تؤدي لرفض الإرادة الإجرامية لدى الشباب في ممارسة سلوك العنف والتطرف، وترأس الجلسة جاسم الحوسني، من مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
وتساءل مقصود عن أسباب بروز العنف والتطرف ودور المدرسة الوقائي في مواجهة ظاهرة الإرهاب والعنف والتطرف،: وقال إن التطرف هو استخدام العنف ضد أبرياء أو ممتلكات لدوافع سياسية أو أيدلوجية، مشدداً على أن ظاهرة استخدام العنف ظاهرة متعددة الأبعاد، وينبغي أن تكون الاستجابة لها وفق أبعاد متعددة وبأساليب متنوعة تتطلب تضافر جهود الجميع.
وأشار إلى أهمية المنهج الوقائي في التعامل مع هذا الأمر، وأهمية التعليم في إطار استراتيجية متعددة الأبعاد بما يمكن الطلاب من اكتساب مهارات تعليمية تمكنهم من مواجهة الأفكار المتطرفة، مشيراً إلى ما أقرته «مذكرة أبوظبي حول الممارسات الجيدة للتعليم ومكافحة التطرف العنيف»، حيث تضع هذه المبادرة بقيادة مركز «هداية» والمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب إرشادات لراسمي السياسات والتربويين، وقادة المجتمعات حول دور سلك التعليم في مكافحة التطرف العنيف.
كما شدد على أهمية البدء في تدخلات مكافحة التطرف العنيف من خلال التعليم في أسرع وقت ممكن، وأوضح أن المدرسة وسط يتشرب فيها الناشئة القيم الاجتماعية والثقافية في المجتمع، وإذا ما فشلت المدرسة فإن المجتمع يفقد خط الدفاع الثاني ضد الجريمة، وشدد على أهمية الوقاية الاجتماعية التي تركز على العوامل الاجتماعية والاقتصادية المفرزة للجريمة وكيفية معالجتها عن طريق التعلم والتثقيف.
من جهته أشار الدكتور عمار علي حسن، إلى أثر المدرسة في مقاومة الإرهاب والعنف والتطرف، متسائلا عن ما إذا كانت المدرسة الآن في وضع يمكنها من أن تؤدي أثرها الفعال في بناء جيل مسالم، ومنفتح لديه قدرة نقدية على ترشيح الأفكار؟، وهل يمكن القول إن المدرسة قادرة على تحمل الدور المناط بها في تقليل الإرادة الإجرامية لدى أفراد المجتمع؟، مشيراً إلى أن الأمن يرتبط ارتباطاً وثيقاً وجوهرياً بالتربية والتعليم، وبقدر ما تنغرس القيم الأخلاقية النبيلة في نفوس أفراد المجتمع بقدر ما يسود ذلك المجتمع الأمن والاطمئنان والاستقرار.
وطالب بتعميق الحوار والانفتاح بين المؤسسات، وبإعادة النظر في الكثير من المناهج الدراسية والأساليب التربوية بعقلية لا ترفض الجديد كله ولا تقبل القديم دون نقاش أو تمحيص.
محور تطوير المناهج التعليمية لغرس فكر معتدل:
أكد المحور الثاني المعنون بـ«تطوير مناهج التعليم لغرس فكر معتدل» على أهمية تطوير المناهج التعليمية ورفدها باستمرار بموادَّ تساعد على نشر الوعي في المجتمع بما يسهم في سدِّ أي ثغرات تحاول أن تنفذ منها جماعات التطرف والإرهاب إلى عقول الشباب، وفي هذا السياق قال الدكتور خليفة علي السويدي الأكاديمي والإعلامي، جامعة الإمارات العربية المتحدة،: إن المشكلة تكمن في وجود مناهج تُعزز التطرف، ولذلك لا بد أن تعمل المناهج على تعزيز الاعتدال، من خلال ربط التعليم بالأهداف الوطنية، التي منها الانتماء إلى الوطن والولاء لقيادته، وتحويل مادة التربية الإسلامية إلى مادة تزكية للأخلاق وغرس معاني الوسطية. كما أكد عدم حصر المواطنة والوطنية في مادة واحدة، والتركيز على الكيف وليس الكم بالنسبة إلى المقررات، ثم تحدث أيضاً عن دور المعلم وقال إن رخصة المعلم أصبحت ضرورية لكل من يرغب في امتهان هذا الدور في المجتمع، كما يجب متابعة ومراقبة المدارس الخاصة.
وشرحت الدكتورة كريمة المزروعي، المدير التنفيذي لقطاع التعليم المدرسي بالإنابة، مجلس أبوظبي للتعليم، كيف استغلت الجماعات المتطرفة النظام التعليمي لاستقطاب أتباع لها من خلال محاولة جذب المعلمين ذوي الولاء، وإعداد مناهج تدعم أيديولوجياتهم، وأشارت إلى أهمية الاستفادة من أفضل الممارسات التي نجحت في مجال مكافحة التطرف في دول أخرى، مثل الإشراف على أنشطة ما بعد المدرسة، وتطوير المهارات الاجتماعية لدى الطلبة، وإعداد برامج تدخل مجتمعية، وإعادة تصميم المناهج، ودمج حوار الأديان.
وناقشا دور التعليم في مكافحة التطرف العنيف من خلال اعتماد مجموعة من الممارسات الجيدة المعنية بالتعليم، ومكافحة التطرف العنيف والتي من شأنها إرساء دعائم أسس التدريب والتنفيذ للأنشطة والفعاليات الجديدة بحيث تأخذ الدول بعين الاعتبار تحسين برامج التعليم الموجودة حاليا، أو تطوير برامج تعليم جديدة تساعد على الحد من التطرف العنيف.
وطالبا بأن ترمي المواد الدراسية إلى تعميق مفهوم الولاء الوطني، وأن تصاغ التربية الوطنية بشكل مباشر في جميع المناهج الدراسية بحيث تصبح جزءا من المناهج الدراسية فالوطنية باعتبارها سلوكا يجب أن يتفاعل من خلال المواد الدراسية جميعها، ويجب أن يكون الأستاذ والمدرسة بجميع العاملين فيها قدوة ونموذجا للطلاب.
وقال السويدي: إن المناهج الدراسية هي عماد العملية التعليمية الذي تقدم من خلاله المعلومة للطالب، لافتا إلى ضرورة وضع خطة استراتيجية للمنهج الدراسي، منبثقة من حاجات المجتمع المتغيرة، بحيث يخرج الطالب من العملية التعليمية ولديه القدرة على التمحيص والنقد والمفاضلة بين القضايا بشكل يخدم الصالح العام.
وقال إن الدور المأمول من المدرسة في مواجهة الفكر المتطرف، التعليم هو عملية متكاملة يعتمد التعامل والترابط فيها على الطالب والمنهج والأستاذ وبيئة المدرسة ولا يمكن النهوض بالعملية التعليمية دون تحسين العوامل الثلاثة.
من جهتها قالت كريمة المزروعي: إن مناقشة الدور المأمول من المدرسة في مواجهة الفكر المتطرف بمعزل عن تطوير عناصر العملية التعليمية، لن يكون له كبير الأثر مطالبة بالتركيز على حامل العملية التربوية الأستاذ نفسه، ومطالبة بالتخلي عن فكرة أن يكون الطالب متلقيا ليس له دور في فهم المعلومة، أو تمحيصها حيث يكون أكثر سهولة للانقياد للأفكار، وأكثر صرامة في تطبيقها دون التفكير أو النقاش، ومثل هؤلاء الأفراد يمكن أن يكونوا صيدا سهلا ليصبحوا مؤدلجين فكريا وعمليا، في حين لن يكون الأمر كذلك في تجربة التعليم التشاركي.
07/09/2017